اسم الغفار جل جلاله وأثره في سلوك المؤمن

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

عضو هيئة التدريس بكلية الآداب - جامعة طرابلس- ليبيا

المستخلص

فالغفار: أي المريد لإزالة العقوبة عن مستحقها، فهو راجع إلى صفة الإرادة، واشتقاقه من الغفر بمعنى الستر.
       والغفار: هو الذي لو أتاه العبد بقراب الأرض خطايا، ثم لقيه لا يشرك به شيئا، لأتاه بقرابها مغفرة. والغفور بمعنى الغفار، ولكنه بشيء ينبئ عن نوع مبالغة لا ينبئ عنها الغفار، فإن الغفار مبالغة في المغفرة، بالإضافة إلى مغفرة متكررة مرة بعد أخرى، فالفعال ينبئ عن كثرة الفعل، والفعول ينبئ عن جودته، وكماله، وشموله، فهو غفور بمعنى أنه تام المغفرة، والغفران كاملها حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة. ولو ورد الغافر والغفور والغفار لم يكن بعيدا أن تعد هذه ثلاثة أسام؛ لأن الغافر يدل على أصل المغفرة فقط، والغفور يدل على كثرة المغفرة بالإضافة إلى كثرة الذنوب حتى إن من لا يغفر إلا نوعا واحدا من الذنوب قد لا يقال له غفور، والغفار يشير إلى كثرة على سبيل التكرار، أي يغفر الذنوب مرة بعد أخرى حتى إن من يغفر جميع الذنوب، ولكن أول مرة، ولا يغفر العائد إلى الذنب مرة بعد أخرى لم يستحق اسم الغفار.
       فالغفار هو الذي أظهر الجميل، وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة.
       والغفر هو الستر، وأول ستره على العبد أن جعل مقابح بدنه التي تستقبحها الأعين مستورة في باطنه، مغطاة بجمال ظاهره.
       وستره الثاني أن جعل مستقر خواطره المذمومة، وإرادته القبيحة سر قلبه؛ حتى لا يطلع أحد على سره، ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله؛ لمقتوه.
       وستره الثالث مغفرته ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها على ملأ الخلق، وقد وعد أن يبدل سيئاته حسنات؛ ليستر مقابح ذنوبه بثواب حسناته من مات منهم على الإيمان.
     وحظ المؤمن من هذا الاسم أن يستر من غيره ما يجب أن يستر منه، والمغتاب والمتجسس والمكافئ على الإساءة بمعزل عن هذا الوصف.
     ومن أهمِّ ما يسألُ العبد ربَّه مغفرةُ ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة. ومن رحمة الله تعالى بعبده أنَّ العبدَ يدعوه بحاجةٍ من الدنيا، فيصرفها عنه، ويعوِّضه خيراً منها، إما أنْ يَصرِفَ عنه بذلك سوءاً، أو أنْ يدَّخِرَها له في الآخرة، أو يَغفِر له بها ذنباً.